روح المسرح السوري وبدايات الإبداع

المسرح السوري على خشبة الزمن

تاريخ المسرح السوري 

يقولون “أينما كان هناك مُجتمعٌ إنساني… تتجلَّ روح المسرح التي لا يمكن كبتها”، وبهذا كان انطلاق المسرح السوري في عام 1871 على يد رائد المسرح السوري والعربي أحمد أبو خليل القباني، إذ يعدّ أول مؤسس لمسرح عربي وقد أسسه في دمشق، أبدع القباني في بداياته وقدم عروضاً مسرحية وغنائية كثيرة منها: ناكر الجميل، وأنيس الجليس، وهارون الرشيد، وعايده، والشاه محمود، وغيرها، وكان له الفضل في قيام حركة مسرحية في سورية وفي الوطن العربي بعد ذلك.

 

كانت بداية المسرح السوري مبكرة وقد انطلق وازدهر في القرن التاسع عشر على يد أبو خليل القباني في مدينة دمشق، وواجه من أجل نشر فنه صعاباً وعقبات عديدة، إلى أن نجح في استقطاب الجماهير في مدينة دمشق لمتابعة عروضه ومسرحياته ولاقى نجاحاً كبيراً في العروض التي قدمها في بداياته بدمشق، وكانت الناس تتهافت لحضور مسرحياته وعروضه الغنائية، وكان في البداية متابعاً ومعجباً بالعروض التي كانت تقدم في مقاهي دمشق، مثل قصص الحكواتي ورقص السماح والعروض التي كانت منتشرة في مقاهي مدينة دمشق، وكان أبو خليل القباني يحضر ويتابع اجتماعات ابن السفرجلاني وعروض موسيقاه في دمشق وتعلم منها واختلط بالفرق المسرحية التي تمثل في مدرسة العازرية بمنطقة باب توما، ومن كل هذا كون القباني هذا الفن الراقي لينطلق به من دمشق ويطوره واضعاً أسس المسرح الغنائي العربي.

 

 

قدم أبو خليل القباني أول عرض مسرحي خاص به عام 1871 وهي مسرحية الشيخ وضاح ومصباح وقوت الأرواح وهي أول مسرحية سورية وعربية وفق مفاهيم المسرح، وقدم بعد ذلك مسرحيات وتمثيليات ناجحة أعجب بها الجمهور الشامي بدمشق، وفي عام 1879-1880 ألف فرقته المسرحية وقدم في السنوات الأولى نحو 40 عملاً مسرحياً ووضع الأسس الأولى للمسرح العربي، خاصة المسرح الغنائي وسافر أبو خليل القباني إلى مصر حاملاً معه عصر الازدهار وبداية المسرح العربي وكان هناك فنانون وفنانات سوريون نحو 50 فناناً وفنانة منهم جورج ميرزا، وتوفيق شمس، وموسى أبو الهيبة، وراغب سمسمية، وخليل مرشاق، ومحمد توفيق، وريم سماط، وإسكندر فرح، وغيرهم.

وسافر إلى مدن سورية ومصر وأمريكا وعاد إلى دمشق متابعاً عروضه المسرحية إلى أن توفي عام 1903 ودفن في مقبرة الباب الصغير في دمشق.

عرفت سورية قبل أبو خليل القباني عروضاً للمسرح لكن ليس بالشكل المعروف للمسرح الذي ظهر على يد أبي خليل وكان ذلك في منتصف القرن التاسع عشر مثل عروض كركوز وعواظ، وخيال الظل، ورقص السماح، والمولوية، والحكواتي وكانت جميعها تقدم في نوادي دمشق ومقاهيها وبعض الأماكن العامة.

 

ومن أهم رواد المسرح السوري كذلك إسكندر فرح إذ عمل مع أبي خليل، وكون بعد ذلك فرقته المسرحية الخاصة وكان المعلم الأول لكثير من رواد المسرح في سورية ومصر.

ولد إسكندر فرح في دمشق عام 1851 وتوفي عام 1916، وقدم مسرحيات مهمة في تاريخ المسرح العربي منها: شهداء الغرامصلاح الدينمملكة أورشليممطامع النساءحسن العواقباليتيمينالولدان الشريدانالطواف حول العالم.

 

 

 

ظهور الفرق المسرحية

بعد فرقة (أبي خليل القباني) والرواد الأوائل للمسرح السوري، ظهرت في بداية القرن العشرين فرق مسرحية سورية كثيرة أخذت بالتزايد مثل فرقة نادي الاتحاد وفرقة جورج دخول، وكانت تقدم عروضها على مسرح القوتلي في السنجق دار، وفرقة عبد اللطيف فتحي وكانت تضم عدداً كبيراً من الفنانين، ونذكر كذلك الفنان جميل الأوزغلي وفرقة أنور مرابط وفرقة ناديا المسرحية لصاحبتها ناديا العريس، إذ كانت الفرقة من أكبر الفرق المسرحية العربية في الثلاثينيات من القرن العشرين ضمت الفرقة أكثر من 120 فناناً وفنانة، وكانت تقدم عروضها على مسرح الكاريون أحد مسارح دمشق.

 

 

قدمت الفرق المسرحية السورية كثيراً من المسرحيات العالمية وعروضاً مسرحية كوميدية واستعراضية وغنائية وسياسية واجتماعية ودرامية وتاريخية كثيرة لمؤلفين سوريين وعرب، ومسرحيات مترجمة لروايات عالمية.

 

الفرق المسرحية في القرن العشرين

فرقة نادي الاتحاد 1906- فرقة الصنائع (حلب 1928)- نادي الفنون الجميلة (دمشق 1930، توفيق العطري)- فرقة ايزيس (1931، جودت الركابي – سعيد الجزائري – علي حيدر كنج – نصوح الدُّوَجي – أنور المرابط – ممتاز الركابي) – دار الألحان والتمثيل (دمشق الثلاثينيات، عبد الوهاب أبو السعود)- فرقة ناديا المسرحية (ناديا العريس)- الفرقة السورية (الثلاثينيات)- الفرقة الاستعراضية (الثلاثينيات)- فرقة حسن حمدان (الثلاثينيات)- فرقة الكواكب (الأربعينيات) محمد علي عبده – الفرقة السورية للتمثيل والموسيقا (1947، تيسير السعدي – ممتاز الركابي)- فرقة اتحاد الفنانين- فرقة العهد الجديد- فرقة سعد الدين بقدونس (الخمسينيات)- فرقة فنون الآداب – فرقة نهضة الشرق – فرقة المسرح الحر (دمشق 1956، توفيق العطري – نزار فؤاد – رفيق جبري) – ندوة الفكر والفن (الستينيات) رفيق الصبان – النادي الفني (منذر النفوري) – فرقة المسرح الكوميدي – فرقة المسرح الشعبي (دمشق 1959، حكمت محسن إلى 1966، ثم عبد اللطيف فتحي إلى 1968) – فرقة المسرح القومي (دمشق 1959، نهاد قلعي).

في عام 1959 اجتمعت الفرق المسرحية والفنية في سورية تحت إشراف مديرية الفنون التابعة لوزارة الثقافة ومن أهمها: (النادي الشرقي، المسرح الحر، النادي الثقافي، أنصار المسرح) وغيرها من الفرق، ويعدّ نهاد قلعي وغيره من زملائهِ الفنانين من مؤسسي المسرح القومي.

كان محمود المصري أول من أدار المسرح القومي، وأول من أخرج لهُ مسرحية الدكتور رفيق الصبان بالتعاون من نهاد قلعي.

وفي عام 1963م أسس الدكتور رفيق الصبان (فرقة الفنون الدرامية للتلفزيوني) ألحقت بالتلفزيون السوري ومن أهم أعضائها: (هاني الروماني، سليم كلاس، رياض نحاس، يوسف حنا، كوثر ماردو، آرليت عنجوري) ألحقت بعدها بفترة وجيزة بالمسرح القومي (إدارياً).

 

 

أغنى المسرح القومي الأكاديميين الذين درسوا المسرح في مصر والاتحاد السوفيتي (أسعد فضة، علي عقلة عرسان، خضر الشعار، محمد الطيب، يوسف حرب، حسين إدلبي، فردوس أتاسي، إسكندر كيني، حسن عـويتي، محمود خضور، فـؤاد الـراشد، تـوفيق المؤذن، شريف شاكر) ولحق بهم مجموعة من المخرجين التلفزيونيين أمثال سليم قطان، فيصل الياسري، سليم صبري، شريف خزندار.

 

العصر الذهبي للمسرح

كانت الساحة المسرحية تنتظر مولد الكاتب المسرحي المحلي، وتجسد ذلك في ظهور الكاتب المبدع سعد الله ونوس الذي ألف مسرحيات عديدة منها: ”جثة على الرصيف”، ”الجراد”، ”الفيل يا ملك الزمان”، و”الرسول المجهول في مأتم انيجوتا”، لكنّ أهم مسرحياته كانت ”حفلة سمر من أجل 5 حزيران”، التي تعد بمنزلة العهد الجديد للمسرح السوري، وقد كتبها بعد هزيمة حزيران 1967م، فقد صور فيها معاناة الإنسان العربي وحيرته مستخدماً في ذلك الرموز والمنولوجات الطويلة.

كما كتب ونوس مسرحية ”مغامرة رأس المملوك جابر” مازجاً فيها الممثل بالمتفرج. كما قدم عام 1978م أروع مسرحياته المأخوذة عن التراث الشعبي من ألف ليلة وليلة، وهي مسرحية ”الملك هو الملك”، وقد نجح في أن يلبس هذه المسرحية ثياب الخطابة الشعبية، وأن يوظف فيها الأفكار السياسية والاجتماعية والدروس الإنسانية.

 

المسرح العسكري

 

أدّى المسرح العسكري دوراً مهماً في تعميق الوعي الاجتماعي وترسيخ الثقافة العربية والحضارية المميزة لأمتنا العربية على مر العصور، فالحياة المسرحية في سورية تاريخ عريق تمتد جذوره من الفترة الرومانية وصولاً إلى الانطلاقة الحديثة المتجددة للمسرح السوري.

افتتح المسرح العسكري بعرض مسرحي حمل اسم (العطر الأخضر) بطولة (محمود جبر، منى واصف) وإخراج محمد شاهين، وضم المسرح العسكري عدداً من الممثلين الذين أدوا دوراً كبيراً في انطلاقة المسرح العسكري منهم: (سعد الدين بقدونس، بدر المهندس، نجاح حفيظ، يوسف شويري، منذر الفاضل، محمد أديب الجباوي، نجوى صدقي)، ثم وفد إلى المسرح كل من: (محمود جبر، ياسين بقوش، أحمد الطرابيشي، سامية الجزائري)، وفي هذه الفترة قدم الفنان سعد الدين بقدونس مسرحية بعنوان (سيف المنافقين) وهي من إعداده، ومسرحية (الأيدي الناعمة) لتوفيق الحكيم عام 1961م، كذلك جرت آنذاك مسابقة لاستقدام شخصيات فنية جديدة مثل: (كليبر سعيد، محمد كريم، منى واصف، هيفاء واصف، فريال كريم) وقدم سعد الدين بقدونس مسرحية بعنوان (كيد النساء)، ومسرحية بعنوان (مريض الوهم) للمؤلف الفرنسي موليير، ومسرحية نجاح المرادي أخرجها سعد الدين بقدونس، نالت الجائزة الأولى في عيد العلم والأدب.

 

جاءت العروض المسرحية للمسرح العسكري مميزة بالشكل الفني الجميل والمضمون الفني المسؤول خاصة بعد عام 1963م، تدعمها في ذلك الخبرات الفنية المتجددة التي ترفد المسرح العسكري وتشكل أركانه، فمتتبع الأسماء التي عملت في المسرح العسكري إخراجاً وتمثيلاً وكتابة يصل إلى أسماء كبيرة لها مكانتها وثقلها الفني في الحياة الفنية السورية نذكر منها: (محمود جبر، وناجي جبر، وأحمد عداس، ومنى واصف، ومانويل جيجي، وسعيد جوخدار، وعبد الهادي صباغ، وأيمن زيدان) وغيرهم نجوم كثيرون، بالإضافة إلى مخرجين متميزين مثل (سعيد جوخدار، توفيق المؤذن، مانويل كاشيشان، علي إسماعيل)، وقد استفاد المسرح العسكري دوماً من الإبداعات المتجددة لمخرجين يرفدونه بالعطاء المتنوع، ويقدمون أعمالاً متميزة، لنجاح العرض المسرحي.

أمضى كثيرون من الفنانين والفنانات حياتهم على خشبة المسرح وكانوا أوفياء لها.

المزيد..