أبو خليل القباني.. حين خُلق الإبداع في دمشق

القباني أبو المسرح

«أحمد أبو خليل بن محمد آغا بن حسين آغا آقبيق» ولقبه الشيخ «أحمد أبو خليل القباني» هو كاتب وملحن وشاعر مسرحي سوري، ويُعد رائد المسرح في العالم العربي.

وُلد في حي «باب سريجة» بدمشق عام ١٨٣٣م لأسرة عريقة النسب، تعلم القراءة والكتابة في الكتاتيب ثم التحق بالمدرسة الابتدائية وداوم على حضور حلقات الدروس بالمدارس وفي الصالونات التعليمية بالبيوت، وحين كبر عمل بمهنة القبان مثل عائلته التي اشتهرت بلقب «القباني» نسبة لتلك المهن.

أظهر «القباني» ميلًا إلى الموسيقى منذ نعومة أظفاره فاتجه إلى تلحين الموشحات وتعلم فنون المسرح، وأحب نظم الشعر وخاصة الأزجال للأغاني الشعبية التي كان يلحنها، ثم كوَّن مع مجموعة من رفاقه فرقة تمثيلية وكان يدربهم في بيت جده وأصبح يعرض فيه الروايات المسرحية أو في بيوت أخرى، منحه «مدحت باشا» الذي كان والياً على دمشق مبلغاً مالياً لينشئ مسرحاً عام ١٨٧٨م، فقام «القباني» بتأجير مكان فسيح في حي «باب توما» وأقام مسرحاً في منتصفه وأصبحت الجماهير تتوافد لمشاهدة المسرحيات، يُعد «القباني» أول من أدخل الألحان لتُنشد في أثناء العرض المسرحي في العالم العربي، وقد حقق نجاحاً كبيراً ما جعل بعض الحركات المحافظة تحاربه حتى تم إقناع السلطان «عبد الحميد» أن روايات «القباني» هي سبب الفسق في دمشق ووصل الأمر بهم إلى تكسير مسرحه، فغادر «القباني» سورية وسافر إلى مصر مصطحباً أفراد فرقته وتابع نشاطه الفني في الإسكندرية ثم في القاهرة، ونال نجاحاً كبيراً في مصر حتى أنه طاف المحافظات ليعرض رواياته، كما قام مع فرقته برحلة إلى أمريكا الشمالية وعرض عدداً من المسرحيات القصيرة في معرض «شيكاغو». وقد عاد «القباني» إلى دمشق في عام ١٩٠٠م بعد أن أقدم خصومه على حرق مسرحه في القاهرة فقرر اعتزال المسرح.

 

ترك «القباني» تراثاً موسيقياً هائلاً من موشحات وأغان شعبية وألحان مسرحية بالإضافة إلى أعمال أدبية وفنية، ومن تلاميذه الموسيقار «محمد كامل الخلعي» و«عبده الحامولي». وقد توفي في دمشق بعد إصابته بمرض الطاعون عام ١٩٠٣م.

 

بداية المسرح السوري والعربي

يعد أبو خليل القباني أول من أسّس مسرحاً عربياً في القرن التاسع عشر في دمشق، وقدم عروضاً مسرحية وغنائية وتمثيليات عديده منها (ناكر الجميل) و(هارون الرشيد) و(عايده) و(الشاه محمود) و(أنس الجليس) وغيرها.

أعجب أبو خليل القباني في بداياته بالعروض التي كانت تقدم في مقاهي دمشق مثل الحكواتي ورقص السماح وكان يستمع ويتابع نوات موسيقى ابن السفرجلاني وكذلك تلاقى القباني مع الفرق التمثيلية التي كانت تمثل وتقدم العروض الفنية في مدرسة العازرية في منطقة باب توما بدمشق القديمة.

 

مسرحية ناكر الجميل:

يصادف الشاب الطيب «ناصر» في إحدى نزهاته اليومية شخصاً زَريَّ الهيئة تَقطَّعت به السُّبل، وقد سقط مَغشيّاً عليه من فرطِ التعب وشدة المرض، ويكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة، فيأخذه سريعاً لبيته ويعتني به أيَّما اعتناء كما نصح الأطباء، وما إن يَبرأ حتى يحكي «غادر» (وهو اسمه الذي يبدو أنَّ له منه نصيباً كبيراً) قصتَه ﻟ «ناصر» ووالده الوزير الذي يرقُّ لحاله ويقرر أن يتخذه ابناً له، ويوصي ابنه أن يكرمه ويعامله كأخ شقيق، وهو ما يفعله «ناصر» بلا تردُّد، فيقرب «غادر» من مجالسه ويصطحبه معه في رحلاته، ضارباً بنصائح خادمه الوفي «حليم» عرض الحائط، الذي طالما حذَّره من «غادر»؛ فهو يعتقد أنه شيطان مريد يضمر للمحسنين إليه شراً.

مسرحية هارون الرشيد مع أنس الجليس:

الفضل: قد حال الحال وانقلب، وأُتيح لابن ساوي السبب،أن يُطفئ ناري، ويُخرب دياري، لأن ولدي التعيس قد ملَك أنس الجليس. وظننتُ أن أَعدِله عنها، فحصل الامتناع منه ومنها، ولا أدري كيف الخلاصُ من غَوائل القَصاص،هل أَسلم من الإعدام أو يُذِيقني الأميرُ الحِمام.

كلَّف حاكمُ البصرة وزيرَه المقرَّب «الفضل بن خاقان» بأن يشتري له قَيْنة (جارية) حسناءَ فصيحةً ذات عِلم وأدب؛ ليضمَّها إلى جواري قَصره، فلم يَتوانَ «الفضل» في تنفيذ أمر سيده، وجدَّ في بحثه بلا كَلل، حتى وجدَ مَن جمَعت بين جَمال الخلقة وحُلوِ الشمائل،إنها الحَسناء «أُنس الجليس»، التي بمجرد أن يراها «علي بن الفضل»، يقع في غَرامها ويُشغَف بحبها، فيسأل أباه أن يُبارِك زواجَه بها، ولكن يا له من شاب نَزِق متهوِّر! فحبُّه سيجرُّ عليه وعلى أبيه الوَيلات،إذ كيف يتجرَّأ ويَعشق القَيْنة التي اختصَّها الأمير لنفسه؟! وهنا يُضطر العاشقان إلى أن يهربا إلى أرض الله الواسعة، فتُرى ما عاقبةُ فِعلهما؟ وهل يجدان عند الخليفة العادل «هارون الرشيد» شيئاً من الإنصاف؟

 

أهم ألحانه

موشح برزت شمس الكمال… من سنا ذات الخمار على مقام الحجاز وإيقاع جفتة جنبر.

موشح ما احتيالي يا رفاقي من مقام الحجاز وإيقاع الأقصاق.

موشح اشفعوا لي يا آل ودي من مقام الهزام وإيقاع جفتة جنبر.

موشح رصع اللجين بياقوت في الحناجر من مقام الرست وإيقاع المصمودي الكبير.

موشح يا غصن نقا مكللاً بالذهب.

موشح بالذي أسكر.

موشح يا من لعبت به شمول من مقام الرست وإيقاع الفالس أو يوروك.

موشح شادنٌ صاد قلوب الأمم من مقام عجم عشيران وإيقاع سماعي دارج.

موشح كيف لا أصبو لمرآها الجميل من مقام شوق أفزا وإيقاع الأقصاق.

قد يا مسعدك صبحية.

قد صيد العصاري.

قد يا طيرة طيري يا حمامة… وديني لدمّر والهامة وهي من ضواحي دمشق على ضفاف نهر بردى.

قد يا مال الشام .

المزيد..