تعد السينما السورية من أوائل الحركات السينمائية في المنطقة العربية، إذ كانت المحاولات الأولى للإنتاج السينمائي في سورية قد بدأت في مطلع القرن العشرين، وعرفت سورية السينما في عام 1908 بعروض سينمائية في مدينة حلب، وفي عام 1912 في مدينة دمشق.
وكان هذا الفن الراقي القادم من دول أوروبا الوسيلة الأكثر تعبيراً عن واقع الحياة وأحداثها، وتجمع عدد من الشباب السوري المتحمس للسينما في منتصف عشرينيات القرن العشرين وعملوا لإيجاد صناعة سينمائية في سورية، وفي عام 1927 تم البدء بتصوير أول فيلم سينمائي سوري.
المتهم البريء
أُنتج هذا الفيلم عام 1928 أي بعد عام واحد من إنتاج أول فيلم طويل في مصر، اجتمع بعضُ هواة السينما ممن يرغبون في رؤية أنفسهم على شاشة السينما، وقرروا إنتاج فيلم روائي وهم :أيوب بدري وأحمد تللو، ومحمد المرادي، واستوردوا آلة تصوير سينمائية ألمانية قياس 35 ملم من طراز “كينامو” عن طريق التاجر ناظم الشمعة، ولأنهم كانوا يجهلون كيفية التصوير رغم وجود تعليمات مكتوبة حول كيفية استخدام الكاميرا، أرشدهم ناظم الشمعة إلى رشيد جلال الذي كانت له محاولات في التصوير، واتفقوا معه أن يكون شريكاً رابعاً لهم في إنتاج الفيلم، وأن يكتب السيناريو، ثم ما لبث أن وقع الخلاف بينهم لأنه اكتشف أنه لم يكن بينهم من يصلح للتمثيل، واقترح عليهم أسماء ممثلين وفنيين جدد ومنهم إسماعيل أنزور، لكنهم رفضوا وبعد جدل طويل جرى الاتفاق على أن يقوم رشيد بالتصوير وأيوب ببطولة الفيلم، وأطلق على الشركة المنتجة اسم “حرمون فيلم” لا يمكن القول بوجود مخرج لهذا الفيلم، لأن صناعة السينما لم تكن موجودة أصلاً، وكانت الأعمال تتم بالتشاور بين الشركاء وفي مقدمتهم صاحب الفكرة والممول “أيوب بدري“، وبين المصور وكاتب السيناريو رشيد جلال واتفق الجميع على نقل قصةٍ واقعية إلى الشاشة، جرت في أثناء الحكم الفيصلي، عن عصابة من اللصوص روعت ريف دمشق، وأضيفت بعض الأحداث الشائقة، صورت المشاهد الخارجية أمام كهوف جبل قاسيون، أما المشاهد الداخلية فقد صورت في بيت رشيد جلال الكائن في المهاجرين – جادات، وهو منزل عربي الطراز وتوجد فيه غرف واسعة تحولت إلى استديو للتصوير، وذكر جلال أنه تم استخدام عاكسات بيضاء لتقوية الإضاءة، وتمت عمليات تحميض الفيلم السالب في ذات البيت، وقام بلف الفيلم على أسطوانة خشبية صنعها صديق له يعمل بالنجارة، ولم تكن الأسطوانة تستوعب أكثر من 15 متراً، أي أن زمن عرضها يعادل نصف دقيقة. ويذكر رشيد جلال أن طول الفيلم بلغ نحو800 متر، وتطلب إنجازه ثمانية أشهر أي نحو نصف ساعة عرض.
كانت الصدمة التي تلقاها الفيلم السوري الأول قوية، وسببت إحباطاً لأصحاب الفيلم ولمن يفكر في الإنتاج السينمائي، فقد منعت السلطات الفرنسية الفيلم بحجة وجود فتاة مسلمة فيه، وبررت الرقابة الفرنسية موقفها بأن رجال الدين اعترضوا على وجودها، وطلبوا أن تستبدل بها فتاة محترفة للعمل الفني، مع أن أهل الفتاة كانوا موافقين على اشتراك ابنتهم وكانت في الخامسة والعشرين، ولم يفلح صناعُ الفيلم بإقناع الرقابة بالقبول كما حاولوا التوسط لدى بعض المديرين، لكن الرقابة بقيت على موقفها.
ولم يجد الشركاء بداً من إعادة تصوير مشاهد الفتاة، واستبدلت بها راقصة ألمانية تعمل في ملهى الأولمبيا تدعى “لوفاتينا“، وعرض في عام 1928 في صالة “الكوزموغراف” التي كانت تقع خلف الفندق الكبير المسمى الآن فندق عمر الخيام، ونجح في جذب الجمهور، وبلغ الأمر الاستعانة بالشرطة لمنع الازدحام، وعرض الفيلم في كل المدن السورية وبيروت وطرابلس.